روائع مختارة | قطوف إيمانية | في رحاب القرآن الكريم | 117 همسة من قصة يوسف عليه السلام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > في رحاب القرآن الكريم > 117 همسة من قصة يوسف عليه السلام


  117 همسة من قصة يوسف عليه السلام
     عدد مرات المشاهدة: 4886        عدد مرات الإرسال: 1

بين يديك فوائد ولطائف على قصة يوسف عليه السلام كنت كتبتها بطريقة مختصرة في موقع " تويتر " وأحببت جمعها في ملف واحد لتتم الاستفادة منها.

١- بداية السورة ( (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) ) [يوسف: 3] فيه:  استخدام أسلوب القصة في الدعوة والاختيار الجيد للقصص النافعة من قصص الأنبياء والصحابة , وهنا نؤكد على استخدام القصص الواقعية في التأثير الدعوي والتربوي.

٢- لا مانع من سرد القصص الواقعية. قال تعالى ((فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) ) [الأعراف: 176] . وهناك يعيب بعض الناس علينا لماذا نقص؟ وأقول:  نحن نقص؛ لأن الله أمرنا باستخدام القصص.

٣- ((وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ) ) [يوسف: 3] أي: قبل الوحي. وفيه:  أن المرء بلا هداية القرآن ونوره في غفلة، وعلى قدر قربه من القرآن يهتدي.

٤- ((قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا) ) [يوسف: 5] هنا:  فراسة يعقوب ومعرفته بما يفسد الأبناء و أن الرؤيا لا تحدث بها كل أحد بل لا تحدث بها إلا من تحب.

٥- أن الحسد بين الإخوة والأقارب أقوى من غيرهم لقوة التنافس والتنازع بينهم.

٦- الحث على سد الذرائع الموصلة للخلافات والبغضاء.

٧- ((إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) ) [يوسف: 5] اليقين الكامل بعداوة الشيطان ومكره ومحاولة إيقاعنا في الفتن والمصائب، وقد تكرر ذلك في القرآن كثيراً.

٨ - ((وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ) ) [يوسف: 6] الاجتباء: هو الاصطفاء والاختيار، وفي هذا شرف الدعوة وشرف للداعية إذ أنها مهمة الأنبياء ومحط اختيار الله تعالى.

٩- ((وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) ) [يوسف: 6] فيه:  أن العلم وسائر النعم إنما هي فضل من الله ورحمة منه، وأن الإنسان لا شيء لولا رعاية الله.

١٠- ( (إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا) ) [يوسف: 8] فيه:  الغيرة بين الأبناء، وأنه يجب على الوالدين العدل بين الأولاد وعدم إشعار البقية بفضل أحدهم.

١١- ((اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا) ) [يوسف: 9] فيه:  أن جريمة القتل من أشنع الجرائم، وأن الحسد قد يتسبب في إلحاق الأذى بالمحسود.

١٢- ((يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ) ) [يوسف: 9] فيه:  أن صاحب الخطأ قد يبرر لخطئه ويسوف التوبة، فهم أرادوا قتله لينفردوا بأبيهم.

١٣- أخذوا يوسف وعاهدوا والدهم على رعايته، ثم رموه في البئر وجاءوا بثيابه وزعموا أن الذئب أكله. والسؤال:  كيف يأكله وثيابه لم تتمزق؟ .

١٤- أن السيئات ينادي بعضها بعضاً، فهم أرادوا قتله، ثم عاهدوا وكذبوا، ثم رموه، ثم كذبوا في العذر. وعلى العكس، الحسنات ينادي بعضها بعضاً.

١٥- ((قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ) ) [يوسف: 18] فيه:  أن النفس أمارة بالسوء غالباً وتدعو صاحبها لكل ذنب، ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:  " ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ".

١٦- ((فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) ) [يوسف: 18] فيه؛ الصبر عند البلاء، والصبر الجميل هو الذي لا شكوى معه , والحرص على تفويض الأمور لله.

١٧- جاءت سيارة وهي القافلة ورمى أحدهم بالدلو فخرج عليهم يوسف فأخذوه وباعوه لسيد مصر والمسؤل الكبير فيها لعل يوسف أن ينفعهم أو يكون ولداً لهم.

١٨- ويمكث يوسف في قصر العزيز فترة - الله أعلم بها – ولما بلغ أشده آتاه الله النبوة، ومنحه الحكمة والعلم.

١٩- وفي القصر الجميل الكبير تحدث. .

٢٠- الفتنة العظيمة؛ حيث عشقت زوجة عزيز مصر يوسف عليه السلام بسبب جماله وحسنه، وتعرضت له وأغلقت الأبواب وقالت: هيت لك. أنا بين يديك..

٢٢- ولكن يوسف كان صاحب إيمان وخوف من الله، قال:  معاذ الله، أي أعتصم بالله. وهذا شأن كل مؤمن أن يستعيذ بالله من الفتن ويبرأ من حوله وقوته.

٢٣- ثم اعترف يوسف بفضل سيده ((إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ) ) [يوسف: 23] فكيف أقع في الحرام المتعلق بعرضه، وهو الذي أكرمني وآواني في قصره، وهذا دليل على سمو أخلاق يوسف وهو:  خلق الوفاء.

٢٤- ((وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) ) [يوسف: 24] الهم من المرأة معلوم، ولكن مامعنى الهم من يوسف؟ على خلاف في التفسير.. .

٢٥- والصواب:  أنه لم يحدث منه هم أصلاً؛ لأنه رأى برهان ربه قبل أن يهم , وهو اختيار الإمام الشنقيطي صاحب أضواء البيان رحمه الله.

٢٦- ( (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) ) [يوسف: 24] وفيه:  الحفظ الرباني لأنبيائه، وأن المرء لاحول له ولا قوة إلا بالله.

٢٧- وأن المخلصين يحفظهم الرحمن من الفتن بسبب قوة إخلاصهم وحرارة تقواهم. قال ابن تيمية:  " فإن قوة إخلاص يوسف كان أقوى من جمال المرأة ".

٢٨- شدة الفتنة بيوسف عليه السلام، فإن المرأة هي التي دعته، وقد غلقت الأبواب، وهي سيدته، وهو شاب وأعزب وغريب عن البلد ومع ذلك حفظه الله.

٢٩- ((وَاسْتَبَقَا الْبَابَ) ) [يوسف: 25] فيه:  الفرار من مواطن الفتن، فيوسف يسرع للباب حذراً من فتنة المرأة، وهي تلاحقه لكي توقعه في الفتنة. إنه مشهد عجيب.

٣٠ - الناس قسمان:  ١- يفر من مواطن الفتنة ويبتعد عنها، وهذا يحفظه الله ويرعاه. ٢- يفر إلى مواطن الفتن ويسابق لها، وهذا يكله الله لنفسه.

٣١- الفتنة بالنساء عظيمة جداً فكيف إذا كانت ذات منصب وجمال كما هو في ظاهر القصة، فالملوك يتزوجون أجمل النساء. وهنا يظهر لك ثبات يوسف.

٣٢- لما كانت المرأة تلاحق يوسف مزقت قميصه من الخلف من شدة التعلق به ومحاولة فتنته. وهذا يوحي لك بأن المرأة عازمة بقوة، ومع ذلك يوسف يبتعد.

٣٣- حينما كان يوسف والمرأة يتقدمان نحو باب الغرفة صادفا السيد والزوج، فبدأت المرأة باتهام يوسف مباشرة ((مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا) ) [يوسف: 25] .

٣٤- يوسف بدأ بالدفاع عن نفسه ((قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي) ) [يوسف: 26] وفي هذا:  المبادرة المباشرة للدفاع عن النفس عند أي اتهام يوجه لك في أي موضوع كان.

٣٥- كان هناك شاهد حضر عند الباب وأرشدهما إلى الحل الحكيم، إن كان القميص ممزق من الخلف فيوسف بريء؛ لأنها هي التي تلاحقه.

٣٦- إن كان قميص يوسف ممزق من الأمام فهو الذي راودها؛ لأنها ستدافع عن نفسها وتمزق ثيابه من الأمام، وبعد التبين ظهر أن قميصه ممزق من الخلف.

٣٧- فلما ظهرت براءة يوسف قال زوجها:  هذا من كيدك أيتها المرأة ((إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) ) [يوسف: 28] وخطير على من يقع عليه. وفي هذا دليل على ضعف الغيرة لديه.

٣٨- ثم ألقى الأمير كلمته ليوسف بأن ينسى ماحدث ((يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا) ) [يوسف: 29] ولا تكشف الأسرار. ووجه زوجته بالاستغفار فقط مع عدم وضع حدود لها أو أي تأنيب لها.

٣٩- انتشرت قصة يوسف مع المرأة في المجتمع وبدأت النساء يتكلمن في القصة ((وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا) ) [يوسف: 30] .

٤٠- وفي هذا:  أن القصص تنتشر والتاريخ يفوح، فاحذر من انتشار القصص التي تتضمن عيوباً ومخالفات.

٤١- حكمت النساء على ضلال المرأة بسبب فعلها.

٤٢- علمت المرأة بكلام النساء عنها فتألمت لذلك، وأرادت كشف السبب لفعلتها وعشقها ليوسف، فرتبت موعد لكي يشاهدوه، وفعلاً حضرن وخرج يوسف.

٤٣- أجلستهم في مكان وفيه مأكولات وأعطت سكيناً لكل واحدة، ولما خرج يوسف وشاهدن جماله استغربن من هيئته وقطعن أيديهن بلا شعور.

٤٤- ((فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) ) [يوسف: 31] ولسان حال المرأة: هذا مع أنكم شاهدتموه مرة واحدة فكيف بالتي تعيش معه في قصر واحد؟ .

٤٥- اعترفت المرأة بجريمتها أمام صديقاتها ( (وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ) ) [يوسف: 32] وفيه:  البجاحة والرذيلة التي كانت عليه المرأة حيث تتحدث بمعصيتها.

٤٦- الغالب أن صديقات الأغنياء من نفس الطبقة والأهداف، وصديقات المرأة يستمعون لسيدتهم وهي تتحدث برغبتها في المعصية ولم ينكروا عليها.

٤٧- التهديد ليوسف العفيف ((وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ) ) [يوسف: 32] مسكينة تلك المرأة تظن أنها بتهديدها سيقبل يوسف ما يجرح إيمانه وتقواه.

٤٨- حينما هددت المرأة يوسف عليه السلام بالسجن ظنت أنها سوف تخيفه وتجعله يوافق على اتباع هواها , وهكذا يفعل الطغاة بالدعاة من التخويف بالسجن.

٤٩- كانت تظن المرأة أن سجنها ليوسف سوف يجعل يوسف ذليلاً صغيراً مهاناً، وما علمت أن السجن سيكون بوابة للعز والشرف والتمكين.

٥٠- وحينما شعر يوسف بخطر الفتنة من المرأة وصاحباتها توجه لربه عز وجل مضطراً منكسراً ((قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) ) [يوسف: 33] .

٥١- وفي قوله ( (مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) ) [يوسف: 33] مع أن امرأة العزيز هي التي حاولت معه، إلا أن حضور النساء ومشاركتهن لسيدتهم جعل يوسف يشعر بأن الخطر منهن.

٥٢- اختار يوسف السجن الذي ظاهره الألم والحرمان من متاع الحياة والالتفاف حول قضبان الحديد، ولكن يهون كل شيء في سبيل المحافطة على العفاف.

٥٣- قال يوسف لربه ومولاه ((وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ) ) [يوسف: 33] دليل على أن الحماية الحقيقية من الفتن إنما هي من الله تعالى.

٥٤- وفي قوله ( (وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ) ) [يوسف: 33] إشارة إلى الجهل الحقيقي هو في تقديم الهوى على الهدى , وأن المعاصي نوع من الجهل ولو كان صاحبها يملك علماً.

٥٥- قال تعالى: ( (فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) ) [يوسف: 34] لما علم الله صدق يوسف وتقواه استجاب له وصرف عنه فتنة النساء.

٥٦- ثم تبين لتلك الأسرة الحاكمة أن يسجنوا يوسف حتى ينقطع خبر قصته مع المرأة لينسى الناس.

٥٧- ودخل يوسف السجن وكان معه فتيان، وذكروا له بعض الرؤى، وطلبا منه التعبير، والسبب ((إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) ) [يوسف: 36] وفي هذا إشارة للأخلاق التي كان عليها يوسف عليه السلام.

٥٨- وأن يوسف كانت أخلاقه في السجن رائعة وأنه صاحب إحسان، ونستفيد أن السجن الذي تعرض له يوسف لم يغير أخلاقه للأسوأ كما هو حال بعض من يقع عليه البلاء.

٥٩- وأن الناس يتأثرون بمايشاهدون من أخلاق العالم والداعية وينجذبون له بأسئلتهم وهمومهم إذا تأثروا بأخلاقه.

٦٠- ثم فسر لهما الرؤيا وقال: ((ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) ) [يوسف: 37] وفي هذا الاعتراف بفضل الله وتعليمه وهدايته وأن كل خير فيك فهو من الله تعالى.

٦١- ثم استغل يوسف فترة وجوده في السجن وبدأ يدعو رفاقه للتوحيد ( (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) ) [يوسف: 39] .

٦٢- وفي هذا أن الداعية عالي الهمة يستفيد من كل فرصة لكي يدعو الناس للمنهج الحق وأنه لايستسلم للظروف والعوائق التي تقعده عن تبيلغ الدين.

٦٣- في السجن تكرر ذكر التوحيد ونبذ الشرك على لسان يوسف عدة مرات، مما يدل على عناية الأنبياء بالدعوة للتوحيد وتأصيله في النفوس.

٦٤- لما فسر لهما الرؤيا قال: ((قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ) ) [يوسف: 41] وهذا يدل على أن تعبير الرؤيا نوع من الفتوى، فتجري فيه آداب الفتوى والمستفتي.

٦٥- لما خرج أحدهم طلب منه يوسف أن يذكر لسيده أن في السجن من هو مظلوم، فنسي الرجل ذلك، ومكث يوسف عدة سنوات في السجن، قيل ٩ وقيل ١٢ سنة.

٦٦- وفي طلب يوسف هذا يتبين أن طلب المساعدة ممن يقدر عليها لا ينا في التوكل، وأن المرء يحاول تخفيف البلاء عن نفسه بقدر ما يستطيع.

٦٧- حصل القدر الرباني وهو أن يمكث يوسف في السجن بضع سنين، وفي هذا تسلية لكل سجين مظلوم، فالله قادر على إخراج يوسف ولكنه التمحيص والابتلاء.

٦٨- وتجري الشهور والسنوات، ويوسف في السجن، ولك أن تسبح بخيالك كيف عاش يوسف في السجن، أي هموم كانت تدور في نفسه، وكم هي ساعات الألم؟ ؟

٦٩- لم يذكر الله أي تفصيل لحياة يوسف في السجن ولكننا نجزم بأنها كانت حافلة بالإيمان والتثبيت الرباني لنبيه يوسف؛ لأنه كان من عباده المخلصين.

70 - ثم يسخر الله الأسباب لخروج يوسف من السجن من خلال رؤيا الملك , وفي هذا إشارة إلى أن الله له الحكمة البالغة في كل أقداره.

71- في قول المعبرين للملك ( (وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلامِ بِعَالِمِينَ) ) [يوسف: 44] اعتراف بعدم العلم , وهذه شجاعة عجيبة؛ لأن الملك قلق من الرؤيا , ومع ذلك لم يجاملوه.

72 - وكم نحن بحاجة إلى أن نسمع من المفتي " لا أدري أو لا أعلم " بكل شجاعة بدون أن يلمع النصوص ويتبع الهوى في فتواه بسبب رهبة أو رغبة.

73 - وحينها خرج الرجل الذي كان مسجوناً مع يوسف وأخبر الملك بمهارة يوسف في تعبير الرؤى , فوافق الملك , وجاء الرجل وقص الرؤيا على يوسف فعبرها.

74 - فلما فسرها يوسف أعجب الملك بتفسيره وأمر بإحضاره , ولكن يوسف رفض الخروج حتى تبرأ ساحته من الاتهام المنسوب له وسجن بسببه.

75 - فطلب يوسف من الملك أن يجمع النساء اللواتي قطعن أيديهن , فجمعهم الملك وسألهم وكانت زوجته حاضرة , فاعترف النسوة ببراءة يوسف.

76 - وفي هذه اللحظة ظهر الحق , واعترفت المرأة بأنها هي التي راودت يوسف , وأن يوسف بريء , وهذا الاعتراف منها ليعلم زوجها أنها لم تخنه.

77- وأن يوسف لم يحصل منه شيء معها , ثم اعترفت بأن هذه الجريمة بسبب النفس الأمارة بالسوء , وأن النفوس تدعو للمعصية إلا مارحم ربي.

78 - وختم الله تلك القصة بقوله ((إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) ) [يوسف: 53] وفي هذا لطف إلهي جميل حيث ذكر مغفرته ورحمته لمن اعترف بذنبه ورجع للحق وأناب.

79 - وفي ذلك بيان أن المظلوم سيأتي يوم وتبرأ ساحته , وأن العسر لن يطول , وأن الله مع الصابرين , وأن الله سيخيب خطط المخالفين والأعداء.

80 - تنبيه. الآية ((وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي) ) [يوسف: 53] قيل إنها من كلام يوسف , وهذا ليس بصواب , والصواب أنه من كلام المرأة والسياق يدل عليه ورجحه ابن تيمية.

٨١- قال يوسف للملك ((اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) ) [يوسف: 55] فيه:  جواز طلب الإمارة والرئاسة لمن يعلم في نفسه القدرة عليها.

٨٢- إذا ترك أهل الخير الرئاسة فقد يتولاها من لا يحسن رعايتها.

٨٣- قال: ((إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) ) [يوسف: 55] فيه:  جواز مدح الإنسان لنفسه لمصلحة يراها.

٨٤- يوسف لم يزكي نفسه ليتفاخر بشيء عنده، وإنما قال ((إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) ) [يوسف: 55] ليبين للملك أنه أمين على المنصب وعليم بأصول القيادة والإدارة.

٨٥- ((وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ) ) [يوسف: 21] أن تمكين يوسف إنما هو بتوفيق الله، وأن الإمارة والولاية داخلة في النعم لمن أجاد إدارتها.

٨٦- ((وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) ) [يوسف: 57] جاءت هذه الآية بعد تولي يوسف المنصب ليعلم الجميع أن الآخرة خير من الدنيا ومناصبها.

٨٧- قال يعقوب لأبنائه ((لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ) ) [يوسف: 67] فيه الاحتراز من العين والحسد وأن ذلك مطلوب وهو سبب مهم في الحفظ.

٨٨- ثم قال يعقوب بعد ذلك ((وَمَا أُغْنِي عَنكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ) ) [يوسف: 67] فيه:  التعلق بالله وتفويض الأمور إليه، وأن الواجب علينا فعل الأسباب فقط.

٨٩- لما أخذ يوسف أخاه وأبقاه عنده كان يعقوب يحدوه الأمل وحسن الظن بربه عز وجل ((فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا) ) [يوسف: 83] .

٩٠- تعجب أولاده من بقاء يوسف في قلبه بعد مرور نحو ٣٠ سنة، فأعلنها من قلب محترق ((إِنَّمَا أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ) ) [يوسف: 86] فما أجمل التعلق بالله وحده.

٩١- وقال يعقوب ((وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) ) [يوسف: 86] نعم أنا أعلم أن ربي لطيف وسيلطف بي، والله كريم وسيكرمني بعودتهما. وهنا يكون الرجاء الحقيقي.

٩٢- ثم أمرهم بالرجوع للملك والبحث عن يوسف وعدم اليأس من رحمة الله وفرجه ونصره. وكأني بهم يقولون:  وأين يوسف؟ وماعلموا بالذي أمامهم.

٩٣- ثم دخلوا على يوسف فعرفهم ولكنهم لايعرفونه وطلبوا طلباتهم في الطعام. فقال يوسف لهم ( (هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ) ) [يوسف: 89] إنها الصدمة الكبرى! ! !

٩٤- قالوا لعلك أنت يوسف، فأخبرهم أنه يوسف، وأن الله أكرمه وأخاه بالبركات، ثم أخبرهم بقاعدة مهمة وهي " التقوى والصبر " وأنها طريق النجاة.

٩٥ - ((إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) ) [يوسف: 90] يالها من آية جامعة لأسباب النجاة. نعم لقد كان يوسف تقياً لربه في عدة مواضع.

٩٦- لقد كان يوسف صابراً على قضية البئر، وقصة مراودة المرأة في القصر، وكان صابراً للسجن في سبيل الله، فكانت النتيجة (التمكين والرفعة) .

97 - وحينما علم إخوة يوسف بأن الذي أمامهم هو يوسف , نطقوا بكلام جميل ((قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا) ) [يوسف: 91] إنه الإيثار الرباني واختياره.

98- وحينما ترجع لقصة يوسف وقصص البلاء التي وقعت له , ثم تتأمل ( (لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا) ) [يوسف: 91] تعلم أن الإيثار الرباني لابد أن يكون معه بلاء.

99- وتزداد يقيناً بأن الوصول إلى مراضي الرب ومنازل القرب منه لا تتم إلا بعد تجاوز الابتلاء بكل أدب , بلا اعتراض ولا جدال ولا شكوى.

100- ثم قالوا ((وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ) ) [يوسف: 91] ما أجمل الاعتراف بالخطأ, ومحاولة الرجوع للحق , وكم في هذا الموقف من أثر على قلب يوسف عليه السلام.

101 - وبعد ذلك أعلن يوسف عفوه عنهم بكل حب وأدب وصدق ((لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) ) [يوسف: 92] إنها أخلاق الكبار.

102 - وإن المتأمل في خلق العفو من يوسف مع جريمة القتل التي حاولوا إيصالها له لما رموه في البئر, يجد أن يوسف كان رائعاً جداً في عفوه عنهم.

103 - هل لي أن أسألك سؤالاً: هل مارست خلق العفو مع أحد من أقاربك أو أصدقائك؟ لابد أن نتربى عليه فهو من أخلاق الأنبياء عليهم السلام.

104 - ثم تكون معجزة القميص لما أمر يوسف إخوته بأن يأخذوا القميص ليرموه على وجه أبيه ليعود إليه بصره ((ذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا) ) [يوسف: 93] .

105 - وتنطلق رائحة القميص إلى يعقوب , وتتجاوز حدود المكان والزمان ويقول: ((إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ) ) [يوسف: 94] يا الله , أي شوق مثل هذا؟! .

106 - ( (فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) ) [يوسف: 96] نعم جاء البشير , وألقى قميص يوسف , وعاد بصر يعقوب , وانطلقت الأسرة إلى يوسف بكل شوق , فما أجمل الشوق قبل اللقاء , فكيف إذا حصل اللقاء؟

107 - جاء الأبناء لأبيهم يعقوب عليه السلام معتذرين ( (قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ) ) [يوسف: 97] فما ظنكم بأخلاق الأنبياء؟ ((سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) ) [يوسف: 98] .

108- وأريدك أن تتذكر معي العفو الذي مارسه يوسف عن إخوته ودعائه لهم ((يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ) ) [يوسف: 92] ثم تأمل عفو يعقوب واستغفاره لهم , وسيظهر لك جمال العفو وأنه خلق عند الأب يعقوب والابن يوسف عليهما السلام.

109 - ثم وصلت الأسرة إلى مصر وخرج يوسف لاستقبالهم من عناء الطريق , ثم كانت لحظة اللقاء عجيبة ((آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ) ) [يوسف: 99] وهنا نسبح في خيال واسع.

110 - ولك أن تتخيل كيف كان اللقاء بين يعقوب ويوسف بعد هذا الغياب الطويل. هنا نقف , لنتخيل تلك الدموع والعبارات العاطفية والعناق العجيب.

111- ثم قال يوسف لأسرته ((ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ) ) [يوسف: 99] وأبشروا بالراحة والسعادة والأمان , ثم أدخلهم قصره ((وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ) ) [يوسف: 100] .

112- ((وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا) ) [يوسف: 100] أي: سجد الوالدان والإخوة ليوسف من باب التحية والتقدير ليوسف , وهذا كان جائزاً في شرعهم , وأما في شرعنا فلا نسجد إلا لله.

113- ((وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا) ) [يوسف: 100] أي: أن الرؤيا في أول السورة ( (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) ) [يوسف: 4] ها هي تتحقق.

114- وفي مشهد إيماني عجيب من يوسف يعترف يوسف بفضل الله عليه بأن أخرجه من السجن ((وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ) ) [يوسف: 100] .

115 - ثم يبدع يوسف بلمسة تربوية ساحرة حيث أخبر أن الشيطان هو الذي نزغ بينه وبين إخوته , ولم يذكر أي تفاصيل من هموم تلك المعاناة.

116- وهنا نكتشف خلق التغافل وعدم تذكير صاحب الخطأ بخطئه , بل نعفو عنه ونتجاوز عنه بدون أي تفاصيل وقصص.

117- وفي ختام السورة يدعو يوسف ربه بأن يميته على الإسلام ((تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) ) [يوسف: 101] وفي هذا:  إشارة لنا بأن الثبات بيد الله وحده.

وفي نهاية سورة يوسف يقول ربنا ((لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ) ) [يوسف: 111] أي: أن حكاية قصة يوسف فيها العبر والاعتبار , ولكن أين من يعتبر؟ .
 

المصدر: موقع يا له من دين